أوضح مفوض حقوق الإنسان والعمل الإنساني والعلاقات مع المجتمع المدني، الشيخ أحمدو ولد أحمد سالم ولد سيدي، أن الحكومة واصلت في إطار تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تنفيذ برنامج أولوياتي الموسع، الذي يحتوي على أكبر عدد من المشاريع المتزامنة في تاريخ البلد، بهدف رفع القوة الشرائية للمواطنين وتحسين الولوج للخدمات الأساسية وخلق فرص العمل، مشيرا إلى أن هذا البرنامج الهام استفاد منه حتى الآن ما يقارب مليوني شخص، و خلق أكثر من 6000 وظيفة بصورة دائمة أو مؤقتة.
وأعلن في خطاب ألقاه مساء اليوم الخميس بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، أن مفوضية حقوق الإنسان والعمل الإنساني والعلاقات مع المجتمع المدني، و تمشيا مع ما ورد في برنامج “تعهداتي” ومساهمة منها في تعزيز وتوطيد الوحدة الوطنية والتعايش السلمي، ستطلق مع بداية العامل المقبل برنامج وطني يدعى “تعايش” لتعزيز اللحمة الاجتماعية، سيتم في إطاره تنفيذ مشاريع وأنشطة اجتماعية واقتصادية ذات تسيير مشترك، بهدف تقوية أواصر الانسجام واللحمة بين مكونات المجتمع الموريتاني.
وهذا نص الخطاب:
” بسم الله الرحمــــــن الرحيم
وصلى الله على نبيه الكريم
تخلِّد بلادنا غدا، على غرار المنظومة الدولية، اليوم العالمي لحقوق الإنسان الموافق للعاشر من ديسمبر من كل عام. وهي مناسبة لتجديد التمسك بما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الصادر يوم 10 ديسمبر 8194، الذي يشكل وثيقة تاريخية، أعلنت حقوقا غير قابلة للتصرف حيث يحق لكل شخص أن يتمتع بها كإنسان، بغض النظر عن العرق أو اللون أو الدين أو الجنس أو اللغة أو أي وضع آخر.
ويخلد اليوم العالمي هذه السنة تحت شعار: “المساواة، كحل – لخلق وإيجاد مجتمع أكثر عدالة وشمولية “؛ وهو شعار زاخر بالدلالات والعبر، خاصة في عالم يعيش حالة من التفاوت والغبن، جعلت من اللازم على الجميع إدراك أهمية التصدي لها والعمل بجد وصدق في سبيل إيجاد حلول مناسبة لها.
أيها السادة والسيدات،
يشهد العالم منذ عامين تحديا كونيا كبيرا تمثل في جائحة كوفيد-19، التي مازلنا نعيش موجاتها وتداعياتها المتتابعة، حيث أَثَّرَتْ بشكل كبير على أنماط التعايش المعتاد وقَلَبَتْ المفاهيم والمّسلمات، فارِضَة بذلك تحدّيات كبرى وَقَفَتْ عائقا في وجه تحقيق وضمان العيش الكريم وصيانة كرامة الإنسان وحقوقه، حتى الأساسية منها، كحرية التنقل والتجمع؛ ومسته في أغلى ما يملك، ألا وهو صحته.
وبفضل السياسات المحكمة التي اتبعتها بلادنا لتسيير الأزمة ورفع التحديات الناجمة عنها، لاسيما في المجالين الاجتماعي والاقتصادي، منذ مارس 2020، بتوجيه وإشراف مباشر من فخامة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، تم منح الأولوية، لإعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، خاصة للفئات الهشة من السكان؛ حيث أعادت الحكومة النظر في أولوياتها، وقامت بإطلاق ثلاثة برامج رئيسية هي: برنامج الأولويات والبرنامج الرعوي الخاص وخطة التضامن الوطني والتصدي لجائحة كوفيد – 19.
أيها السادة والسيدات،
بالرغم من هذه الصعوبات، عرفت حالة حقوق الإنسان في بلادنا خلال العام الحالي نقلة نوعية في مجال ترقية وحماية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، تعززت معها مكانة موريتانيا بين مَصافِّ الأمم السّاعِيَةِ بجد، إلى بناء دولة القانون والمؤسسات وترسيخ الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وفي هذا السياق، تم ولأول مرة، إطلاق مسار إعداد استراتيجية وطنية لترقية وحماية حقوق الإنسان في البلاد، بالتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان؛ وهي خطوة ترمي لبلورة رؤية شاملة حول مختلف قضايا وإشكالات حقوق الإنسان في البلد ووضع خطة عمل وطنية لتجسيدها على أرض الواقع.
وتجسيدا لمبدأ التشاور والإشراك، أطلق قطاعنا خلال الأيام الماضية عدة ورشات جهوية لتقاسم مضامين هذه الاستراتيجية مع الفاعلين في المجتمع المدني، الذين انتظموا، مؤخرا، في منتديات جهوية منتخبة تهدف لتفعيله وتهيئته لمواكبة الإصلاحات الجديدة التي يشهدها فضاء المجتمع المدني، وعلى رأسها تطبيق قانون الجمعيات والهيئات والشبكات وإنشاء منتدى وطني لجمعيات المجتمع المدني.
أيها السادة والسيدات،
شهد الإطار القانوني والمؤسسي لترقية وحماية حقوق الإنسان تطورا نوعيا من خلال المصادقة على نصوص تشريعية جديدة، عززت حماية الحقوق والحريات، كالقانون 04 – 2021، المتعلق بالجمعيات والهيئات وبالشبكات ونصوصه التطبيقية وقانون حماية الرموز، ومن خلال إنشاء المرصد الوطني لحقوق المرأة والفتاة.
وتشجيعا للدور الريادي للجمعيات والشخصيات المستقلة في الدفاع عن حقوق الإنسان وتعزيز اللحمة الوطنية، تم استحداث الجائزة الوطنية لحقوق الإنسان واللحمة الاجتماعية؛ وهي تعبير من الحكومة عن العرفان بالجهود التي يبذلونها من أجل الحفاظ على النسيج الاجتماعي والرقي بالسجل الحقوقي للبلد.
وفي مجال تعزيز تطبيق القانونين المتعلقين، تباعا، بمحاربة العبودية والاتجار بالبشر، تم تنظيم طاولة مستديرة حول إنفاذ القانون 031- 2015 المجرم والمعاقب للممارسات الاستعبادية، تم خلالها تشخيص أهم العقبات التي تعترض سبيل تطبيقه الفعال، واختتمت بصياغة توصيات واقتراح حلول للتسريع من معالجة القضايا وتنفيذ قرارات المحاكم. كما عمل قطاعنا على استصدار تعميم مشترك بين وزارات العدل والدفاع والداخلية، يحث القائمين على انفاذ القانون على اتخاذ التدابير اللازمة المنصوص عليها في القوانين، لضمان مسطرة قضائية نافذة وفعالة. علاوة على تنظيم 19 ورشة تكوينية حول قانون تجريم الرق ومعاقبة الممارسات الاسترقاقية والاتجار بالبشر لصالح السلطات الإدارية والقضائية والأمنية ومنظمات المجتمع المدني على المستوى الوطني وتمويل ست حملات تحسيسية لصالح منظمات المجتمع المدني.
أيها السادة والسيدات،
في إطار تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، واصلت الحكومة تنفيذ برنامج أولوياتي الموسع، الذي يحتوي على أكبر عدد من المشاريع المتزامنة في تاريخ البلد؛ ويهدف هذا البرنامج الممول من طرف الدولة، من بين أمور أخرى، إلى رفع القوة الشرائية للمواطنين وتحسين الولوج للخدمات الأساسية وخلق فرص العمل؛ وقد استفاد منه ما يقارب مليوني شخص، كما ساعد على خلق أكثر من 6000 وظيفة مؤقتة أو دائمة.
وفي نفس السياق وسعيا إلى تحسين ظروف حياة المواطنين وخاصة الفئات الهشة وكذلك من أجل النهوض بِقِطاعَيْ الصحة والتعليم، تم توسيع الرعاية والتأمين الصحيين، لتشمل مائة ألف أسرة متعففة، كما تم تدشين العديد من البنى التحتية المدرسية وإطلاق برنامج الكفالات المدرسية وهو ما يعكس وبشكل واضح الأهمية التي توليها السلطات العليا لترقية التعليم والصحة ولتقليص الفوارق الاجتماعية والغبن والتفاوت بين فئات المجتمع.
أيها السادة والسيدات،
لقد واصل قطاعنا تنفيذ خطة العمل الوطنية لمحاربة الاتجار بالأشخاص، التي صادقت عليها الحكومة في مارس 2020، وقد تم في هذا الإطار:
– انجاز دراسة سيسيولوجية حول ظواهر الاتجار بالأشخاص من بينها التسول القسري للأطفال والعمل الجبري والمبكر؛
– إعداد برامج تكوين حول الاتجار بالبشر لصالح الفاعلين في المجال؛
– إطلاق دراسة حول المناطق الجالبة للاتجار بالأطفال؛
– إنتاج أفلام تحسيسية حول العمالة المنزلية وعمالة الأطفال.
وستواصل الحكومة خلال الفترة القادمة، مع شركاءها، تنفيذ ما تبقى من هذه الخطة بما تتضمنه من إجراءات وبرامج تهدف إلى القضاء كليا على ظاهرة الاتجار بالبشر بكل أشكالها ومظاهرها.
أيها السادة والسيدات،
تماشيا مع ما ورد في برنامج “تعهداتي” ومساهمة منا في تعزيز وتوطيد الوحدة الوطنية والتعايش السلمي، قمنا بإعداد دراسة لإطلاق برنامج وطني يدعى “تعايش” لتعزيز اللحمة الاجتماعية. ويهدف هذا البرنامج الذي سيطلق العام القادم بحول الله، إلى تنفيذ مشاريع وأنشطة اجتماعية واقتصادية ذات تسيير مشترك، بهدف تقوية أواصر الانسجام واللحمة بين مكونات المجتمع الموريتاني.
أيها السادة والسيدات،
بصفتنا القطاع الحكومي المعني بمتابعة الالتزامات الدولية لبلادنا في مجال حقوق الإنسان، قمنا مطلع هذا العام بتمثيل بلادنا في الجولة الثالثة من الاستعراض الدوري الشامل، عبر تقديم ونقاش التقرير الوطني لبلادنا أمام مجموعة العمل الخاصة بالاستعراض والدول الأعضاء بمجلس حقوق الانسان بجنيف. وقد تم إصدار 266 توصية لبلادنا في ختام الاستعراض، وافقنا على تنفيذ 201 توصية منها. وقد قمنا مؤخرا بوضع خطة عمل وطنية خمسية لتنفيذ تلك التوصيات.
كما واصلنا التفاعل مع الآليات الدولية لحقوق الإنسان وإعداد التقارير وتقديمها طبقا لالتزاماتنا الدولية والإقليمية، حيث مثلت مشاركتنا في الحوار التفاعلي مع المقرر الخاص بالأشكال المعاصرة للاسترقاق وفريق العمل المعني بالحبس التعسفي وفريق العمل المعني بالاختفاء القسري خير دليل على ذلك.
وقد وافقت الحكومة على طلب زيارة المقرر الخاص بالأشكال المعاصرة للاسترقاق لبلادنا والتي ستتم خلال شهر مايو من عام 2022.
أيها السادة والسيدات،
لقد تَبَنَّتْ المفوضية في إطار التَّوَجُّهِ الجديد سياسة الانفتاح على جميع الشركاء والفاعلين في مجال حقوق الإنسان مُرَحِّبَةً بكل شفافية بالمبادرات والخطوات التي من شأنها تعزيز العمل المشترك من أجل ترقية حقوق الإنسان وحمايتها والبحث عن الحلول المناسبة للقضايا المطروحة، مُحْدِثَةً بذلك قطيعة نهائية مع منطق النُّكْرَانِ وأسلوب المواجهة، وفي هذا الإطار تم دعم الأنشطة والبرامج التي تقدمت بها جمعيات المجتمع المدني للمفوضية بغلاف مالي ناهز 10 ملايين أوقية جديدة.
أيها السادة والسيدات
ختاما، أؤكد لكم أن بلادنا عاقدة العزم، عبر مختلف برامجها واستراتيجياتها التنموية، على تعزيز وحماية حقوق الإنسان، بالتعاون مع كافة شركاءها، وبهذه المناسبة أدعو جميع الفاعلين الوطنيين وشركاءنا في التنمية إلى المساهمة الفعالة في هذا التوجه الذي يعطي لحقوق الإنسان العناية والرعاية اللائقتين.
أشكركم والسلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته”.