إن آفة الإرهاب تفشت وترسخت في مجتمعاتنا الإسلامية نتيجة عوامل كثيرة لعل أهمها الفشل في تطوير مجتمعاتنا ثقافيا واقتصاديا مما خلق اضطرابات ثقافية وفكرية انعكست على الذهنية والإحساس والأذواق فاتحة الباب لسلوكيات منفلتة من كل عقال و إن ما لعبه الإعلام في توجيه الشباب للقتال في أفغانستان والذي شكل بداية تشكل وبروز التجمعات الجهادية المعروف الآن ليس إلا أحد العوامل التي أسندت ودعمت هذا البروز وكذلك اجتهادات المودودي في باكستان والسيد قطب في السعودية ومصر وغيرهم من الرهط الأول للمنظرين للصحوة الجهادية بالاعتماد على مقولة الولاء والبراء وتعميق حمولتها الدلالية المفضية لاصطفاف الأنا والآخر في ثنائية الإيمان والكفر ونفض الغبار عن مبدئ الجهاد بوصفه أحد الأسس التي لا قوامة لمجتمع الإسلام دونها. كل هؤلاء ليسوا إلا مساعدين في خلق وبلورة توجه جديد شكل العامل الرئيسي فيه الفشل الثقافى في بلورة رؤى مستلهمة من تجربة دولة الإسلام بما يناسب ما وصله تطور النظم في المجتمع الإنساني والذي كان للمسلمين دور رئيسي في مسار تطوره الطويل وكذلك الفشل الاقتصادي حيث لم يتم تطوير المجتمعات الإسلامية وتوفير مستويات حياة تناسب ما وصل إليه مستوى الحياة الإنسانية حولنا من قدرة على التمتع بمباهج الحياة وتسخير التقدم الحاصل في مختلف جوانب الحياة لسعادة الإنسان إن فشل مجتمعاتنا ثقافيا واقتصاديا وفشلها في ملئ الفراغ الناجم عن عدم قيام أنظمة قوية مستقلة قادرة على الذب عن حياض الوطن والحفاظ على الأرض والحقوق خلق مجالا واسعا لعدم الاطمئنان فقد كان وضع فلسطين في المنطقة العربية و وضع كشمير في شبه القارة الهندية تجسيدا لحالة غير طبيعية تعيشها الأمة حفزت الشباب للتحرك ولقد كان للتوجهات القومية واليسارية في البداية دفق من طاقات شباب الأمة الباحث عن الجديد لكنه مالبث أن بدأت خيبات الأمل تتوالى من الاتجاهين القومي واليساري بفعل الصراع البيني وفشل التجارب الواحدة تلو الأخرى وكان مجهود إمريكا والغرب نشطا في تثبيط الهمم وتسفيه الفكر النهضوي القومي واليساري وتخريب العلاقات بين مختلف الأطراف التي تمارس السياسة!! ولم تصدق إمريكا عينيها عندما رأت دخول روسيا إلى أفغانستان إنها فرصتها التي لا تعوض لتوجيه الطاقات المتوثبة داخل الأمة نحو آفغانستان وكان لها ما أرادت وحققت ثلاثة أهداف في آن معا وجهت ضربة مزلزلة لعدوها قائد حلف وارسو وحققت توجيه عداوات الأمة نحو جهة بعيدة من إسرائيل وبدأت عزل القوة القومية واليسارية التي كانت تشكل خطرا على نفوذها وعلى حليفتها إسرائيل وفي نفس الوقت شكل ضرب الاتحاد السوفياتي الذي كان حليفا للقوة القومية والتقدمية جرحا كبيرا لهذه القوة و تهميشا لها في محيطها الذي انطلقت منه القوى الجهادية التي استهدفت حليفهم إنه انقلاب كامل وتبدل للمعطيات أدخل قوة الثورة في أزمتها التي لم تخرج منها لحد الآن.! في الوقت الذي تم وقف التوجه نحو التغيير تم تأسيس توجه جديد سمي من طرف من كان جزءا من المساعدة في إطلاقه واستخدامه إرهابا و أسماه متبنوه وداعميهم جهادا ودخلنا في مرحلة جديدة يصعب تصور مستقبلها ومدى تأثيرها في مختلف مناطق العالم العربي والإسلامي . إن الإرهاب اليوم يشكل إحدى مشكلات عالمنا العربي والإسلامي فقد تحالف الفقر والجهل اللذان نعاني منهما وسياسات الغرب المدمرة على جعل الإرهاب مشكلة كبرى تعيق الرؤية والعمل الصحيح للنهوض، تشتت الجهد في مجالات أمنية كان المفروض أن لا تشغلنا وتمتص الجزء الأكبر من طاقاتنا إن الغرب الذي أشرف على بدايات تدريب وتسليح الجهاديين استمر يمدهم بأسباب القوة والنماء فضرب الأنظمة التي كانت تشكل حائطا متينا دون تمدد الإرهاب فنظام العراق وليبيا وسوريا ونظام اليمن ،والصومال قبل ذلك ضرب كل هذه الأنظمة شكل فتحا لأبواب واسعة لتفشي الإرهاب وتوسعه بشكل غير مسبوق وما تزال السياسات المتبعة من إمريكا والغرب تشكل أداة لنمو الإرهاب أكثر مما هي عاملة للحد منه أو محاربته… إن الإرهاب الآن في منطقتنا في مرحلة نمو يصعب تحديد مدياتها وكيف ستكون نتائجها وقد شكل إسقاط نظام القذافي دافعا ودعما للمجموعات الجهادية في شمال وغرب إفريقيا بما مثله من فتح أبواب مخازن سلاح حكم المغفور له القذافي لقد كان سقوط القذافي بمثابة فتح الأبواب على مصاريعها لتوسع نشاط المجموعات فقد أصبح الجزء الأكبر من إفريقيا جنوب الصحراء مجالا لتغلغل وتوسع النشاطات الجهادية إن بوكو حرام وداعش والقاعدة كلها تتبادل وتتقاسم التأثير وتهدد شمال وغرب إفريقيا كلها وظهورها قوية في مكان لا يعني أن الأمكنة التي لاتظهر نشيطة فيها خالية منها إنه في بلداننا التي بسبب التخلف تشكل مكامنة ومجالات خصبة لانتشار أفكار الجهاديين فعشرات الشباب يرون هوان الأمة واحتلال أجزاء منها ويرون نقصا في متطلبات الحياة وانعدام العمل ونقص الخدمات ومحدودية مجالات النشاط المثمر ونقص الثقافة التي تزود بالغذاء الروحي المتوازن الذي يضمن الاستقرار النفسي وراحة البال إن شبابنا في مهب الرياح وعرضة لكل انحراف بسبب البلبلة الفكرية والاضطراب النفسي وتعقد الحياة ومحدودية الوسائل..!! إن بلادنا ومحيطنا يحتاج رؤية جديدة وسياسة محكمة لمواجهة الإمكانيات غير المحدودة لتوسع الحيرة والضياع في صفوف الشباب وحتى نمنع أن يكونوا لقمة سائغة لموجة الإرهاب الحالية والقادمة حتى نجعلهم جزئا من قوة الحماية والمناعة والاستقرار لأوطانهم المستهدفة!!!؟؟