في 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وتحديداً عند الساعة السابعة مساء، تلقت مديرة معهد ووهان للفيروسات، شي زنغلي، اتصالاً على هاتفها الشخصي يفيد بوصول عينات غامضة لدم مرضى إلى المعهد.
وأفاد الاتصال بأن العينات تحمل فيروساً تاجياً جديداً لمريضين اثنين في المستشفى، مصابين بالتهاب رئوي غير نمطي.
حينها، كان على المعهد التأكد، فقد أشارت النتيجة إلى أن المرض الجديد ينتمي إلى عائلة الفيروسات التي تسببت بالمتلازمة التنفسية (سارس) التي أصابت 8100 شخص، وقتلت ما يقرب من 800 منهم بين عامي 2002 و 2003، ويمكن أن يشكل خطراً على الصحة العامة.
مؤتمر وقطار
“امرأة الخفافيش”، وهي عالمة الفيروسات الصينية، شي زنغلي، ويطلق عليها زملاؤها هذا اللقب بسبب رحلتها الطويلة التي امتدت ما يقارب 16 عاماً في كهوف تلك المخلوقات بحثا عن تفاصيلها، انسحبت من مؤتمر في شنغهاي عند سماعها خبر العينات، وقفزت عبر القطار التالي عائدة إلى ووهان.
وتقول العالمة في حديث لها نقلته مجلة ” scientificamerican”، “أثناء رحلتي من شنغهاي، إلى ووهان كنت أفكر، “هل أخطأت “هيئة الصحة البلدية؟”، وتتابع، “لم أتوقع قط حدوث مثل هذا الأمر في ووهان”.
هذه العالمية قد كشفت في دراسات سابقة لها أن المناطق الجنوبية وشبه الاستوائية من الصين معرضة بشكل كبير لخطر انتقال الفيروسات التاجية إلى البشر من الحيوانات، خاصة الخفافيش، فهي مستودع معروف للعديد من الفيروسات.
وتساءلت العالمة، “إذا كانت الفيروسات التاجية هي الجاني هل كان بإمكانها القدوم من مختبرنا؟”.
في عام 2004، أخذ فريق شي من كهف الخفافيش عينات من الدم واللعاب والبراز، لكنها لم تظهر أي أثر للمادة الوراثية من الفيروسات التاجية، وكانت هذه ضربة قوية للأبحاث، فقد اعتقد العلماء أن الفيروسات التاجية ربما لا تحب الخفافيش الصينية.، ووصل الفريق حد الاستسلام، إلا أن مجموعة بحثية في مختبر مجاور أجرت اختبارا على الأجسام المضادة للخفافيش، وفاقت النتائج التوقعات، حيث احتوت عينات من 3 أنواع من الخفافيش على شكل أجسام مضادة ضد فيروس السارس، لذلك قدمت مجموعة التشخيص مؤشرا قيما حول كيفية البحث عن التسلسلات الجينومية الفيروسية.
أسوأ فترة خلال 16 عاما
أثناء رحلة القطار إلى ووهان في 30 ديسمبر من العام الماضي، ناقشت شي وزملاؤها طرق البدء في اختبار عينات المرضى على الفور، شعرت “امرأة الخفافيش” أن هذه أسوأ فترة في حياتها طيلة الـ 16 عاما من رحلتها معهم.
وباستخدام تقنية تسمى تفاعل البوليميراز المتسلسل، والتي يمكنها الكشف عن الفيروس عن طريق تضخيم مادته الجينية، أظهرت الجولة الأولى من الاختبارات أن عينات 5 من 7 مرضى تحتوي على تسلسلات وراثية معروفة بأنها موجودة في جميع الفيروسات التاجية.
على الفور، أمرت شي فريقها بتكرار الاختبارات، وفي الوقت نفسه، أرسلت العينات إلى مختبر آخر لتسلسل الجينوم الفيروسي الكامل.
في الأثناء، مرت على سجلات المختبر الخاصة بها من السنوات القليلة الماضية للتحقق من أي سوء استخدام للمواد التجريبية، خاصة أثناء التخلص منها، سيكون كارثيا.
“يجب أن نجدهم قبل أن يجدونا”
وعندما عادت النتائج، تنفست العالمة الصعداء، فلم تتطابق أي من التسلسلات مع الفيروسات التي أخذها فريقها من كهوف الخفافيش.
بحلول 7 يناير/كانون الثاني، قرر فريق ووهان أن الفيروس الجديد قد تسبب بالفعل في المرض الذي عانى منه هؤلاء المرضى، وهو استنتاج قائم على نتائج تحليل تفاعل البلمرة المتسلسل، وتسلسل الجينوم الكامل، واختبارات الأجسام المضادة لعينات الدم وقدرة الفيروس على إصابة خلايا الرئة.
وبعد أشهر على الوباء، وجد الباحثون أن الفيروس التاجي الجديد يدخل خلايا الرئة البشرية باستخدام مستقبل يسمى الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2 (ACE2) ، ويقوم العلماء منذ ذلك الحين بفحص الأدوية التي يمكن أن تمنعه من ذلك، وهم يتسابقون لتطوير اللقاحات حيث قال الفريق: “إن تفشي الوباء في ووهان كان دعوة للاستيقاظ”.
إلى ذلك قالت العالمة، ما اكتشفناه حتى اليوم غيض من فيض، فهناك ما يصل إلى 5000 سلالة فيروس كورونا تنتظر اكتشافها في الخفافيش على مستوى العالم، أخطط لمشروع وطني لمعاينة الفيروسات بشكل منهجي في كهوف الخفافيش، في نطاق وكثافة أكبر بكثير من محاولات الفريق السابقة.
وأنهت حديثها بنيرة واثقة: “الفيروسات التاجية المنقولة عن طريق الخفافيش ستسبب المزيد من تفشي المرض.. يجب أن نجدهم قبل أن يجدونا”.
يذكر أن كورونا أودى بحياة ما لا يقلّ عن 167 ألفاً و500 شخص في العالم منذ ظهوره في كانون الأول/ديسمبر في الصين، وفق حصيلة أعدّتها وكالة فرانس برس استناداً إلى مصادر رسمية حتى الساعة 19,00 ت.غ من مساء الاثنين.
وسجلت الصين القاريّة (من دون ماكاو وهونغ كونغ)، حيث ظهر الفيروس للمرة الأولى أواخر كانون الأول/ديسمبر ما مجموعه 82747 إصابة (12 حالة جديدة بين الأحد والاثنين) بينها 4632 وفاة، فيما شفي 77084 شخصاً.