هذه رسالة كتبتها نصيحة للرئيس قبيل
انتخابات 2009 وبما أنها ربما لم تصل اعيد نشرها بتصرف خفيف لعلها تفيد من
سيتولى الرئاسة بعد انتخابات يونيو 2019.
وهي موجهة كذلك إلى الناخبين الموريتانيين للاجتهاد في الاختيار الصحيح.
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا
وشفيعنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
السيد الرئيس . . حفظه الله ووفقه وسلمه ورعاه
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته , , ,
كان الصالحون من الخلفاء والأمراء فيما سلف يخشون تولي الأمر العام لعظم
المسؤولية لأنهم أدركوا أن الحكم لا يقوم إلا على العدل , والعدل صعب مناله
لكنهم أيقنوا قبل ذلك أنهم سيقفون بين يدي الله يوم الحساب يوم تثقل
الموازين أو تخف, يوم لا حرس ولا تشريفات ولا قصور ولا سيارات فارهة ولا
سجاد أحمر, يوم يتمنى الإنسان أن أمه لم تلده خوفا من ذنوبه ومن هول المشهد
,وهو لن يحاسب إلا عن نفسه , فكيف بمن سيحاسب عن الضعيف لا يجد من يسنده
والمريض لا يجد من يداويه والمسكين لا يجد من يواسيه والجائع لا يجد من
يطعمه والأرملة لا تجد من يتولاها واليتيم لا يجد من يرعاه وعن الشاب
النابه الذكي يأتي في مقدمة المتنافسين على الوظيفة فيختطف مقعده أصحاب
الوساطة والنفوذ ، وتلك المسكينة توصد في وجهها الأبواب لأنها ليست من أهل
الجاه والمكانة والطالب في غربته لا تصرف له منحته بل والشاة لا تجد من
يهيئ لها علفها . . بل والوطن كله لا يجد من يؤمنه ويحصنه ويرعاه وينشر فيه
العدل . . كل ذلك ستسأل عنه سيادة الرئيس ….
يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : والله لو عثرت بغلة في
العراق لخشيت أن يسألني الله لم لم تصلح لها الطريق يا عمر . . .
سيادة الرئيس . .
ستسأل عن عائدات السمك وعائدات الحديد وحصيلة الضرائب وعائدات النفط والغاز والذهب .. فيم أنفقت …أوقية أوقية ..
فاسمع ,سيدي الرئيس, صفات الإمام العادل كما حددها خبير , وجل صادق, سريرته
كعلانيته لا يقول إلا ما يفعل ,إنه الإمام الزاهد ,أحد سادة التابعين
سيدنا الحسن البصري , ينقل هذه الصفات لمن يعرف أنه أكثر حرصا عليها ,
ينقلها للخليفة الخامس أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه حفيد
أمير المؤمنين الفاروق .
يقول الحسن معرفا بالإمام العادل : ” الإمام العدل ,يا أمير المؤمنين كالأب
الحاني على أولاده يسعى لهم صغارا ويعلمهم كبارا يكتسب لهم في حياته ويدخر
لهم بعد مماته , والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البرة
الرفيقة بولدها , حملته كرها ووضعته كرها , وربته طفلا , تسهر بسهره وتسكن
بسكونه , ترضعه تارة وتفطمه أخرى , وتفرح بعافيته وتغتم بشكايته…
ويزيد الحسن البصري في تبيان صفات الإمام العدل : ” … والإمام العدل يا
أمير المؤمنين هو القائم بين الله وعباده, يسمع كلام الله ويسمعهم , وينظر
إلى الله ويريهم وينقاد إلى الله ويقودهم . . . ” .
عظم المسؤولية
سيدي الرئيس
إنك ستتولى مهمة قيادة بلد من “أفقر” بلدان الدنيا رغم ما حباه الله به من
موارد, صنفته المؤسسات الدولية ضمن خانة الدول الأقل نموا والأكثر مديونية
على مستوى العالم وهو تعبير “مهذب” عن الدول الفاشلة أو شبه الفاشلة ,
يعاني سكانه من أخطر الأمراض التي تعرفها البشرية اليوم : الجهل والفقر
والمرض والكسل فقد وصفت إحدى الدوريات الفرنسية قبل سنوات عديدة هذه الشعب
بأنه أقل شعوب الدنيا إنتاجا ( le peuple qui crée le moins de richesse
dans le monde ).
فالبلد يدار بأساليب اتفقريش و”الترقاع” و”قلة النفشة” وخلاصة الأمر أن
المسؤولين عن الأمر العام يعملون لكل شي سوى خدمة البلد وسكانه -إلا من رحم
ربك-..
ونتيجة هذا الوضع تدهور حالة التعليم وتردي الخدمات الصحية وانتشار
الأمراض الاجتماعية… ومن أهمها آثار ظلم بعض الطبقات الاجتماعية لبعضها
فأعناق المظلومين تشرئب إليكم لرفع الظلم عنهم وذلك يقتضي حزما وقوة مع
حكمة وتبصر…
أما الصورة الخارجية فقد تزعزع كثيرا… كان الشناقطة رسل علم ومدارس
متحركة للصلاح والإصلاح والفلاح والتربية والسلوك. نشروا علما وتركوا ذكرا
حسنا وثناء عطرا حيثما حلوا… كانت كلمة شنقيط في المشرق والمغرب تعني
التبحر في العلم والصلاح والزهد والاستقامة والعفة…وعاشت أجيال منهم على
هذا النهج … لكن دوام الحال من المحال… ..
كان منهج الشناقطة فيما سلف كما قال عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر:
لسنا وان أحسابنا كرمــــــــــــــــــت *يوما على الأحساب نتكـــــــــــــــل
نبنى كما كانت أوائلنا * تبنــــــــــــــــي ونفعل مثل ما فعلــــــــــــــــــــــوا
وأصبح منهج أجيال اليوم نهدم ما بنت أسلافنا ونفعل عكس ما فعلوا… إلا من رحم ربنا.
فهل يرضيكم هذا سيادة الرئيس ؟
وبدل أن يبنى هذا البلد ويتقدم تعاورت عليه النكبات والعثرات لكنها نكبات من صنع من كان المتوقع منهم أصلا أن يبنوه ويطوروه ..
فأي كارثة أكبر من الفقر الذي هم سيدنا علي بن أبي طالب بقتله لو كان رجلا,
فمعظم سكان موريتانيا يعيشون تحت خط الفقر وموريتانيا تعيش منذ سنوات
طويلة على فتات المساعدات الخارجية وتنشط في بلادنا منظمات “خيرية” غربية
يعتمد بعض من أبناء البلاد عليها في قوتهم اليومي..
في موريتانيا بعد خمسة عقود من الاستقلال لا يوجد سوى جامعة يتيمة واحدة لا
يزيد عمرها عن عقدين تقريبا موزعة على مباني متهالكة في مناطق متعددة من
العاصمة, تنقصها تخصصات علمية كثيرة وليس بها قسم للدراسات العليا .. أما
كلية الطب فإنها وليدة وقليل طلبتها.
هذا إن استثنينا مبادرات بعض الخيرين الغيورين الذين أسسوا مؤسسات تعليمية للدراسات العليا بوسائلهم الذاتية.
في موريتانيا بلاد العلم والورع والتقى والصلاح ..بلاد أحفاد الزهاد ينتشر
الفساد الإداري ,تنهب أموال الدولة , حسب ما نسمع, ويزداد الفقراء فقرا
ويزداد الأغنياء غنى وتزداد الهوة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين
الفئتين ومخاطر ذلك ونتائجه تصيب النسيج الاجتماعي للمجتمع وأمن البلد في
مقتل ..
أو ليست هذه كارثة.؟
في موريتانيا التي كانت مضرب مثل في الاهتمام بالعلم وحفظ المتون بفضل صبر
وجلد الشناقطة ونجاح نظام محظرتهم الفريد من نوعه , تجد هذه المحظرة اليوم
تتآكل وتجف منابعها بعوامل تعرية العصر وهموم الحياة وعزوف الطلاب ومن بقي
من الشيوخ عن التفرغ لها بسبب ضغوط الحياة وعدم عناية الدولة والمجتمع
بهم..
أو ليست هذه كارثة أن تضيع تركة الشناقطة التي تميزوا بها على مدى قرون طويلة؟
أو ليست هذه كارثة في بلاد شنقيط بلاد العلم والحفظ .. بلاد المنارة والرباط..
في عاصمة موريتانيا لا يوجد ,بعد خمسة عقود, من الاستقلال جسر واحد أحرى أن
يوجد في المدن الأخرى ..ولا يوجد في طول البلاد وعرضها طريق مزدوج واحد
…
في بلد مثل موريتانيا حباه الله بمناطق على ضفة النهر من أخصب الأراضي
الزراعية يعتمد سكانه على الحبوب المستوردة ..ويعاني معظم سكانه من الجوع
وسوء التغذية ..أو ليست هذه كارثة وطامة الطوام..
في بلاد مثل موريتانيا حباها الله بمعادن ثمينة من حديد ونحاس وذهب وموارد
سمكية وبحرية هائلة … تصنف هذه البلاد ضمن أكثر بلدان العالم دينا
خارجيا.. ( يبلغ اليوم الدين الخارجي للبلاد حوالي 5 مليار دولار أي ما
يمثل نسبة 100% من الناتج المحلي).
في موريتانيا بعد خمسة عقود من الاستقلال لا يوجد مستشفى حكومي واحد مجهز
تجهيزا أساسيا بما يحتاجه المرضى أحرى أن يضاهي مستشفيات الدول متوسطة
الدخل ..ولا مجال للحديث عن مقارنة مع الدول المتقدمة..فمرضى موريتانيا
فئتان: من له إمكانات يلجأ للخدمات الصحية في البلدان الأخرى لأبسط الحالات
ناهيك عن الحالات الخطيرة والمعقدة ..أما من أقعده العجز والمرض وقلة ذات
اليد، وهم الفئة الكبرى، فيبقى حبيس فراشه إلى أن يقضي الله أمرا كان
مفعولا…
لا يخفى عليكم أن الرئيس المؤسس الأستاذ المختار ولد داداه رحمه الله وجيل
الإستقلال الأول أسس بلدا في ظروف غاية في الصعوبة وبعد حوالي 15 سنة من
الاستقلال كانت البلاد أكبر من حجمها الطبيعي ولعل أهم انجازاتها على
المستوى الخارجي هو تلك المكانة الدبلوماسية وذاك الاحترام الكبير الذي
حظيت به البلاد ورئيسها الأول الذي أرسى بجهده لبنة بناء ومجد تضاف إلى ما
أسس له أعلام هذه البلاد على مر العصور .. أما الانجازات الداخلية فلعل
أهمها عدم وجود الفساد بشكله المعروف بعد الحقبة المدنية .
كانت البلاد في ذلك العهد تسير على خطى ثابتة نحو النمو مع تواضع الوسائل
,إن استثنيا كارثة حرب الصحراء التي كتب على البلد الدخول فيها لاعتبارات
ليس هذا محل تفصيلها…
إلى أن جاء البيان الأول “… يا شعبنا البطل..” فتحول الشعب من ذلك التاريخ إلى يا “شعبنا البطال””..
نعم كانت حرب الصحراء حربا أهلية كارثية وربما بسببها كان الإنقلاب امرا
حتميا.. توقفت الحرب بمآسيها ، لكن عاش البلد بعد ذلك حقبة لا تحتاج إلى
شرح أو تعليق.
سيادة الرئيس ,,
حدد القانون الدولي ثلاثة عناصر لابد من توفرها لقيام أي كيان يمكن أن يطلق
عليه دولة..وهذه العناصر هي الإقليم والسكان والسيادة وهذه “متوفرة” نظريا
في موريتانيا كغيرها من الدول ..لكن ما لم يتعرض له القانون الدولي على
حد علمي هو “قابلية البناء والتطور” وليس (القابلية للعيش) التي ابتدعها
الغرب للفلسطينيين, فلا بد للدولة لكي تعيش وتكسب الاحترام أن تكون منتجة
وتنمو وتطور بشكل مستمر..أما إذا كانت لا تنمو ولا تتحسن أحوال سكانها بل
تتراجع وتتقهقر وتنتكس كما هو حال بلدنا فيجب ان تنزع عنها صفة الدولة
ونسميها شيئا آخر..
فهل ترضون لبلدكم بذلك …؟
وهذه سيادة الرئيس ,بعض الاقتراحات للإسهام في حل بعض مشكلات هذا الوضع المأساوي:
إعلان حالة الطوارئ
 إعلان حالة الطوارئ وهذا حقكم الدستوري , وهذا القرار له أبعاده
الدستورية القانونية وهو إجراء تتخذه الحكومات عادة أوقات الكوارث
والنكبات.. وحالة إعلان الطوارئ هنا تشبه حال جماعة مسافرة في سيارة تاهت
وضلت الطريق ..فالعقلاء سيقولون علينا أن نتوقف حتى نتبصر أمرنا علنا نتمكن
من تحديد وجهتنا بشكل صحيح أما غيرهم فسيواصل سيره على غير هدى وربما
يكابر ويعاند ويصر على طريق معين قد يكون الاتجاه المعاكس تماما لطريق
النجاة والوصول إلى بر الأمان. ..
(أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم)؟
وأنت ربان السفينة فلا بد لك أن تتوقف وقفة تأمل وتصحيح ودراسة لما آل إليه حال البلد بعد كل هذه العقود…
قل لهم إن الإدارة في “إجازة” والتعليم في إجازة والخدمات التي تقدمها
الدولة في إجازة بل إن موريتانيا كلها في إجازة حتى إشعار آخر..
 اختر مجموعة من الرجال من أهل الاختصاص من الناصحين المشهود لهم بالصدق
والنزاهة والمعرفة وأعطهم مهلة محددة وقل هذه وقفة فاصلة في تاريخ البلد
ادرسوا كل قطاع ,كل حسب تخصصه, وأعطوني اقتراحات عملية وهيئ في نفس الوقت
من سيتولى تنفيذ ما يتوصل إليه من نتائج وتوصيات ونصائح وإرشادات, وإن
اقتضى الأمر تغيير أجيال كاملة في كل قطاع استعدادا لإقلاع آمن يوصل إلى
وجهة البناء والتنمية بطريق علمي ومدروس بعيدا عن الأساليب التقليدية .. بل
بأساليب يطبعها الإبداع والابتكار والتميز والمنافسة الشريفة في بناء
البلد..
 سن الخدمة الإجبارية للشباب بل وحتى الفتيات مع مراعاة الضوابط الشرعية
لفترة لا تقل عن سنة للتأسيس لتكوين جيل جديد يتسم بالانضباط والجد
والاجتهاد وشيء من الخشونة يقتضيه بناء بلد مدمر.
تنظيم
مسابقات لموهوبين يطلق عليهم بناة تنمية موريتانيا وصناع مجدها واختيار
أفضل الشباب ذكاء ولياقة واستعدادا للتعلم الشاق مع تربيتهم التربية
المناسبة ليقتنعوا بانتمائهم لدينهم وبلدهم وإرسالهم مجموعات … مجموعات
إلى أفضل الجامعات والمعاهد المتخصصة في الغرب .. وإلى اليابان ليتعلموا من
تقدمها العلمي والتكنلوجي ولكن أيضا ليتعلموا منهم الانضباط في العمل
والتفاني والإخلاص.. فاليابانيون بلغوا مستوى من حب العمل والتعلق به لدرجة
أن بعض الأمراض بدأت تنتشر بينهم بسبب قلة الراحة وتخصيص جل الوقت للعمل
..وقد ناقش مجلس الوزراء الياباني قبل فترة هذه الظاهرة وكأنه يريد أن يقنع
اليابانيين بأن يأخذوا قسطا من الراحة حفاظا على صحتهم ,,, أي عكس الصورة
عندنا تماما..
وإرسال مجموعات إلى دول “نمور” جنوب شرق آسيا .. كوريا الجنوبية وحتى
الشمالية فإن كانت متخلفة اقتصاديا فإنها تقدمت في تكنلوجيا السلاح وهذا
مطلوب لحماية أمن البلاد.. وسنغفورة وهي بلد صغير لكنها كبيرة بانجازاتها
الاقتصادية ..
ومجموعة إلى ماليزيا التي جعل منها الدكتور مهاتير محمد نموذجا للتنمية
الاقتصادية والاجتماعية في البلدان الإسلامية بل لا بأس بان يتتلمذ بعض
قادتنا عليه ليأخذوا من بعض رؤاه الاستراتيجية وبعد نظره ومهاراته في
التخطيط وقيادة الدول ..كل ذلك في سبيل خدمة موريتانيا ..
يجب ان ننفق على هؤلاء “البناة” بسخاء ونهيئ لهم مواقعهم بشكل مخطط لتجني
البلاد ثمار ما نهلوا من علم بطريقة تسعدهم ويتحول معها البلد من حال
التخلف إلى حال التقدم في كافة المجالات ..
 منع استيراد قماش البزان لما يشكله من إرباك و كونه وسيلة للدعة والكسل والتبذير وتقييد للحركة .
 افتح ،سيادة الرئيس، ورش البناء في كل أنحاء البلاد، ورشا لبناء الطرق
والجسور والأنفاق والمستشفيات والمدارس مع التركيز على الكليات التقنية
والمدارس المتخصصة ..
وأشرف بنفسك على كل ذلك .. واعقد اجتماعات مجلس الوزراء في كل مدن البلاد
بل في القرى و”لقصور” وآدوابة و”الفرقان” ..مع المنمين والمزارعين ..عش أنت
والوزراء معهم وشاركوهم موائدهم..
 أوقف استيراد السيارات الفاخرة وليكتف الوزراء بسيارات متواضعة وإن أمكن
دراجات كما هو الحال عند وزراء المالديف و حتى الجمال أو الخيول..فلا يعقل
أن يكون أغلبية سكان البلد يعيشون تحت خط الفقر بينما تنفق الدولة جزءا
كبيرا من ميزانيتها لشراء المرسدس للوزراء وكبار المسؤولين..ولا توزع
سيارات فارهة على الوزراء إلا إذا أصبحت موريتانيا دولة صناعية تنافس
ألمانيا واليابان ونمور آسيا عندها أعط للوزراء ما شئت من سيارات
ومكافآت..ٍ
 منع استيراد الدخان بكافة أنواعه لما يسبب من أمراض وإنفاق للمال على
منتج أجمع الأطباء والفقهاء على ضرره وحرمته..واستبدال (طوابل) –بسطات-
أولئك المسكينات بائعات الدخان على طرقات العاصمة والمدن الأخرى بمادة
مباحة مفيدة للجسم بدل هذه المواد المهلكة المضرة لهن ولغيرهن..
 الاعتناء بالمساجد وبطرق بنائها ونظافتها لتمثل الوجه الحضاري لبلاد
شنقيط التي كان أهلها يبدءون ببناء المسجد عند نزولهم في أي مكان أثناء
ترحالهم… وحال مساجدنا اليوم يكاد يكون حالة استثنائية في بلدان الدنيا
كلها..
 الاعتناء بنظافة العاصمة وشوارعها وباقي مدن البلاد وسن قوانين تعاقب كل
من يرمي القمامة في الشوارع أو الأماكن العامة ..فلماذا نكون أقل من الدول
الاسكندنافية التي لا يوجد في بلدياتها عمال لنظافة الشوارع لأن الناس
بلغوا درجة من الوعي جعلهم لا يرمون أي مخلفات في الشوارع..
القطيعة
الكاملة مع الزيارات الكرنفالية داخل البلاد التي تعطل مصالح الناس وتوقف
نشاط الدولة وتكون مناسبات استعراضية لا يستفيد منها الناس سوى نفقات
باهظة لو صرفت على مشاريع مفيدة لنفعت البلاد والعباد. ويستغنى عن هذه
الزيارات الكرنفالية بزيارات خاطفة ودون ضجيج إعلامي يرافق الرئيس فيها عدد
قليل من المسؤولين للاطلاع على مشاكل المواطنين وحلها بدل إرهاقهم بأعباء
مالية لا قبل لهم بها.
اعتبر, سيادة الرئيس, أن موريتانيا أدخلت إلى غرفة الإنعاش لإجراء عملية
معقدة تقتضى التخدير والصبر والدقة واليقظة لأن أي خطأ مهما كان بسيطا قد
يذهب بالبلد بأكمله وكلما حضرت التجهيزات والمعدات والمهارات كانت نسبة
النجاح والشفاء هي الأقرب بإذن الله وكان المستقبل أكثر وضاءة وإشراقا …
أما عكس ذلك فيعني الفشل أو ربما ما هو أخطر من ذلك بكثير…
هذا على مستوى البرامج المستقبلية والتخطيط الاستراتيجي أما البرامج
اليومية فلا بد فيها من الاعتناء بالفقراء والطبقات المحرومة والتودد
والتحبب إليهم .
كن عادلا ولا تحتجب عن المساكين
سيدي الرئيس . .
سيكون ضمن برنامجكم اليومي أو الأسبوعي أو في المناسبات , مقابلة أعيان
البلد من كبار المسؤولين والأثرياء والوجهاء . . وهؤلاء لا يجدون عنتا في
الوصول إليك , وربما نظمتم لهم حفلات بمناسبة أو بدونها ولا ضير في ذلك,
لكن هناك طبقات من الناس أقعدها “مستواها الاجتماعي” أو فقرها أو أميتها أو
بعدها الجغرافي عن أن تصل إليكم , وإن همت بذلك فلا سبيل إليه فالسياج
طويل والحراس مهمتهم إبعاد أمثال هؤلاء . . . فهل تغيرون سيادة الرئيس هذا
النهج ؟.
فاسمع سيادة الرئيس ماذا يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
“فإني أعلم أن للناس حوائج تقطع عني , أما هم فلا يصلون إلي وأما عمالهم
فلا يرفعونها إلي . . “
فهل لي أن أقترح عليك ,سيادة الرئيس, أن تخصص يوما في الأسبوع أو في الشهر
أو في مناسبات معينة تستقبل فيه مجموعات من المساكين الذين لا حول لهم ولا
قوة من عجائز وأرامل وأيتام أو من هم على هامش الحياة العامة, تتلمس
حاجاتهم مباشرة وتسمع مظالمهم وتحل مشاكلهم . .
وستكون مبادرة حميدة لو نظمت لهم ولأمثالهم موائد دورية وحضرت كسوة ومصروفا
لكل من يحضر منهم وجلت معهم في أنحاء القصر تريهم سكن رئيسهم وتبين لهم
أنه لو كانت الإمكانات متاحة لأعددت سكنا مثله أو قريبا منه لهم . . .
وأضعف الإيمان أن تشركهم ولو لدقائق معدودة في قصرك . .وما أجمل أن تترك
أطفالهم يلعبون مع أطفالك في حدائق القصر وممراته …
وإن اخترت أن تحتجب فتذكر قول الإمام علي رضي الله عنه :
“أما بعد , فلا يطولن احتجابك عن رعيتك , فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة
الضيق , وقلة علم بالأمور , والاحتجاب يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه ,
فيضعف عندهم الكبير , ويعظم الصغير ويقبح الحسن ويحسن القبيح ويشاب الحق
بالباطل , وإنما الوالي بشر لا يعرف ما يواري عنه الناس به من الأمور ,وليس
على القوم سمات يعرف بها ضروب الصدق , من الكذب , فتحصن من الإدخال في
الحقوق بلين الحجاب ” .
اللين مع الرعية والشدة مع المسؤولين
اعلم ,سيدي الرئيس, أنه ما جاء بك إلى موقعك هذا إلا أصوات هؤلاء, فقربهم و
ادنُ منهم ولا تفضل عليهم الأقوياء المتنفذين وحاسب المسؤولين عن مصالحهم .
. واحذ في ذلك حذو الخلفاء الراشدين عليهم رضوان الله .
فاسلك مع الضعفاء من الرعية مسلك أبي بكر الصديق الذي عرف باللين حتى أن
الصبيان كانوا إذا رأوه يسعون إليه ويقولون يا أبت , فيمسح رؤوسهم رفقا بهم
وعطفا عليهم وتحببا إليهم…
واسلك مع المسؤولين والأقوياء منهج عمر , لأن هؤلاء تولوا الأمر العام ,
فقد ورد في الحديث الشريف” كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته… “, فهذا عمر
رضي الله عنه يتفرق الرجال عنه ويتركون مجالسهم من هيبته وقوته , وهم لا
يفعلون ذلك نفاقا وإنما لمعرفتهم مدى قوته في الحق وعظم تقديره للمسؤولية .
واسمع ,سيادة الرئيس, تفسير عمر لذلك السلوك :
” فاعلموا أن تلك الشدة قد أضعفت , ولكنها إنما تكون على أهل الظلم والتعدي
على المسلمين .” وهذا عكس حال كثير ممن تولوا أمر المسلمين اليوم.
ويكمل الفاروق شرحه قائلا : أما أهل السلامة والدين والقصد فأنا ألين من بعضهم لبعض . . .
ويرسم أمير المؤمنين عمر هذه اللوحة بصورة أخرى : ولست ادع أحدا يظلم أحدا
أو يعتدي عليه حتى_ (وليس حتى أرقيه أو أسلم له تلك الوزارة أو تلك المؤسسة
يعبث بها , ويضيع فيها حقوق الناس )- أضع خده على الأرض وأضع قدمي على
الخد الآخر حتى يذعن بالحق .
ما أعدلك وأعظمك يا عمر ,لست صاحب انتقام ولا تشفّ ,وإنما تؤدب حتى يرجع من ظلم إلى الحق …
ولكن عمر هذا القوي الشديد الذي تهابه الرجال بل يخافه الشيطان الذي يسلك فجا غير فجه إن رآه , عمر هذا يضع خده لكن لمن ؟ :
“وإني بعد شدتي تلك أضع خدي لأهل العفاف وأهل الكفاف . . .”
عمر هذا ,سيادة الرئيس, لا يعد نفسه مسؤولا عن العباد وحدهم بل عن
الحيوانات, فها هو يقول : لو مات حمل ضياعا على شط الفرات لخشيت أن يسألني
الله عنه . . . فماذا أنتم فاعلون يا حكام المسلمين مع عمر وهو يخشى أن
يسأل عن حمل مات ضياعا على شط الفرات , فكيف بكم وقد ضيعتم شرف المسلمات في
العراق وتركتم بلدا بأكمله للغزاة والمفسدين والمنافقين يعيثون فيه فسادا .
. وضاعت دجلة والفرات بعد أن تعززوا بثالثهما من الدماء..
معايير الاختيار الصحيح
سيادة الرئيس
إن من أسباب إقامة العدل : الاختيار الصحيح لمن يتولى شؤون العباد والبلاد
من وزراء ومدراء ومسؤولين… , وأن يكون من يتم اختياره ناصحا,أمينا
,عارفا, ماهرا ,قويا, متواضعا .
وإليك قاعدة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لهذا الاختيار . .
“أريد رجلا إذا كان في القوم وليس أميرهم كان كأنه أميرهم وإذا كان أميرهم كان كأنه رجل منهم” . . .
لله درك يا أمير المؤمنين . . .
لكن عمر مع ذلك يبحث عن الأقوياء الأمناء بل قد يترك أهل الصلاح إن كان
يعتريهم بعض الضعف , فقد كان يختار الرجل القوي الأمين للولاية ويترك
الضعيف مهما كان له من ميزات كسابقة وصلاح وعلم . . أي أنه يركز على أهل
الدراية والقوة والمعرفة , وهم لا شك سيكون فيهم من الصلاح والورع ما
يؤهلهم , عكس زمننا هذا الذي انعدمت أو كادت مثل هذه الصفات . . . فبقدر ما
تحتاج إلى ذوي الخبرة والدراية تحتاج أيضا لأهل الصلاح والورع في زمن عز
فيه مثل هؤلاء.
بين النصح والتملق
ابحث سيدي الرئيس عمن صلحت سيرته وخاف ربه ولم يطمع في دنيا واسأله النصح
وكن صادقا في ذلك . . . ولا تغتر بمن يطريك ويتملقك ويتزلف إليك لأجل ما
أنت فيه . . وليكن من ينصحك صادقا أحب إليك ممن يمدحك متملقا أو صادقا. . .
وكن مثل عمر بن الخطاب في خوفه أن يقع في منكر فلا ينهاه أحد تعظيما له وقد
قال عندما أثنى عليه الرجل : أتهلكني وتهلك نفسك , إن أحب الناس إلي من
أهدى إلي عيوبي . .
سيادة الرئيس , أعرف أن الأعراف والتقاليد اليوم قد لا تسمح ببعض ما ذكرنا
لكن المشكلة أن الحساب يوم الدين لا فرق فيه بين أهل القرون السالفة وأهل
القرن العشرين أو الحادي والعشرين والرئيس والملك والوزير سيحاسبون وحدهم
وأنت منهم .. لذلك لا بأس بالاستئناس بسير السلف الصالح وزهدهم في الدنيا
وخشيتهم من ربهم وعطفهم على رعيتهم..
وأحسب ,سيدي الرئيس, أن نهجا كهذا سيكون سبيلك إلى النجاح في دورة قادمة إن
تقدمت للرئاسة مرة أخرى وإذا لم تكن مهتما بدورة أخرى فأعلم أن هناك مرحلة
أخرى يتم تحضيرها من الآن والنجاح فيها نجاح لا سقوط بعده خلود في النعيم
إلى الأبد أما عكس ذلك فأعاذنا الله جميعا منه…
فأرجو أن تهتم ,سيدي الرئيس, برعيتك وخاصة المساكين منها ,وبسير الصالحين
الزاهدين وتأمر كل المسؤولين في الدولة بذلك , إقرأ عليهم سيرة سيدنا
ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الخلق بل مع الحيوانات وكذلك
سير الخلفاء الراشدين :أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي وسير الزاهدين لعل
ذلك يخفف من شهوة السلطة ومفاتن الشهرة والدنيا..
ولا بأس سيادة الرئيس أن تحدث “بدعة” بحيث تقرا عند افتتاح كل جلسة من مجلس
الوزراء صفحات من رياض الصالحين للإمام النووي او صفحات من تنبيه الغافلين
للسمرقندي او أبيات من مطهرة القلوب للشيخ آد.. مع أبيات من روح الأدب
للشيخ إبراهيم.. أو نحو ذلك من مصنفات الرقائق وذلك في سبيل ترقيق قلوبهم
وتزهيدهم في الدنيا لعلهم يفهمون خطورة تولي الأمر العام وخطورة التلاعب
بحقوق الناس..
واعلم سيادة الرئيس أن الرئاسة لمن يريد أن ينقل موريتانيا إلى مصاف الدول
والأمم المتحضرة ليست مجرد تسيير شوؤن أو قضاء مأمورية تبدأ وتنتهي دون
إحداث التغيير ..
فهذه سيادة الرئيس أفكار أولية لبناء لمنهج سيمكن بإذن الله إن طور وطبق,
من تلبية احتياجات البلاد والعباد في مكافحة الفقر وضمان توفير الحياة
الكريمة لأبناء البلاد وتلبية متطلبات حياتهم الأساسية وفق حدودها الثلاثة
كما عبر عنها بعض المقاصديين , حد الكفاف وحد الكفاية وحد النعيم أو
بعباراتهم الأخرى هي توفير ضروريات الإنسان وحاجياته مع التحسينيات
ومكملاتها..
فبهذا, سيادة الرئيس , تفك عن البلاد عزلة علمية وتنموية موحشة وتجلب الخير والبشر لمجموعات من أبناء البلد تعيش في نسيان شرود..
وبذلك تكون ,يا سيادة الرئيس, قد بدأت أولى الخطوات الثابتة الجادة لطي
بساط البؤس والحرمان والشقاء وتبعث التنمية والحياة الكريمة من ركام الفقر
والتخلف ليعم الرخاء والرفاه ويسود الأمن والأمان ويولي إلى غير رجعة زمن
القبض على جمر الذل والمسكنة وتتخلق موريتانيا أمة جديدة متقدمة اجتماعيا
واقتصاديا وتقنيا مع الحفاظ الكامل على دينها وقيمها الأخلاقية.
فهذه ملامح منهج تبني به للبلاد دوحة مثمرة تلقي بظلال أفنانها على فقير
فتطعمه وتكسوه وتعلمه وتداويه وتوفر له الملبس والمسكن الذي يقيه تعاور
أحوال المناخ ومضاره وتكسبه حرفة ودربة عن ذلة السؤال تغنيه… وتنقل بلدا
بأكمله من وضع التخلف والاعتماد على المساعدات الخارجية إلى بلد متقدم منتج
يصنف ضمن الدول المتقدمة وما يبشر بالخير أنه يوجد في موريتانيا من
بإمكانه التحدي إن وجدت قيادة تجمع بين القوة والتحلي بالمسؤولية والحرص
على بناء الوطن مع امتلاك أساليب التخطيط المحكم والقدرة على استشراف
المستقبل..
إنه طريق العدل والإبداع والبناء وحده الذي سيمكنك من إحداث التغيير
المطلوب.. واسمع ما ذا يقول الإمام الحضرمي المرادي في كتابه الذي سماه
“الإشارة في تدبير الإمارة” الذي أراده منهجا سياسيا لدولة المرابطين: فوصف
فيه العدل بأنه ” أنصر من الرجال وصاحبه له فضائل أربع : الأجر والثناء
والنصر والبقاء” ويضيف المرادي مكملا مزايا العدل : ” إذا نطق لسان العدل
في دار الإمارة فليبشر ساكنها بالعز والعمارة”.
ابن آخرتك ,سيادة الرئيس, بتوفير سبل الحياة الكريمة لأبناء بلدك وإصلاح
شأنهم فما بنيت لهم اليوم تجده غدا عند الله ,والآخرة خير وأبقى.
قال الإمام علي:
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كانت قبل الموت بانيها
فإن بناها بخير طاب مسكنهـا و إن بناها بشر خاب بانيهـا
أين الملوك التي كانت مسلطنة حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
وتذكر , سيادة الرئيس , أن الإمام العادل ضمن سبعة يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله…
وفقنا الله وإياك ,سيدي الرئيس, وختم لنا ولكم بالصالحات.
هذا وبالله التوفيق
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
الهادي بن محمد المختار النحوي