تعتبر الوظيفة العسكرية وظيفة محددة ودقيقة تتمثل أساسا في بسط الأمن في الداخل،و دفع صولة الخارج عن طريق إدارة العنف ضدهما،و يقول المنظّرون العسكريون:إنّ بناء شخصية لهذه المهامّ العنفية تتطلب تكوينا خشنا و أخلاقيات خاصة تتناسب مع المهة العسكرية و أوّلها ابتعاد القادة عن العامّة و عدم الالتحام بهم حفاظا على الهيبة العسكريةو صونا لتلك القوّة الخشنة لمجالها..
و ضرورة التكوين العسكري الخشن و ما يتطلب من انزواء صاحبه عن العامة يتنافى تماما مع المهمة السياسة التي تتطلب العكس..
من هنا جاءت حرمة ممارسة السياسة على العسكري لكونها تضرّ بالهيبة العسكرية و لكون من يمارسها سيمارسها انطلاقا من معارفه التكوينية الخشنة….
و ربما من عوامل ميوع السياسة في هذه البلاد و تشرذمها و ضعف ممارستها النزيهة هو سقوط يظهر من حين إلى آخر في كلّ مناسبة سياسية لبعض القادة العسكريين و عدم تورّعهم عن الاندماج فيها بكل وضوح و سفور، و لعلّ هذا ما زال هو دأب الممارسة السياسية في بلدان العالم الثالث ككل..و من هنا يجب علينا كشعب طامح أن نتطلّع إلى وضع حدّ لهذه الممارسات و الفصل بين هاتين المهنتين حتى يتفرغ كل إلى مجاله و مهمّته المنوطة به شرعا و قانونا..
فحين تتولى الداخلية شؤون الخارجية و البيطرة شؤون النقل و المالية شؤون الريفية و العسكري شؤون المدني فكبّر أربعا على مختلف تلك القطاعات..لأنّ دلالة كلمة “النظام” توحي- على الأقل- بمستوى من التنظيم و وضع كل شيء في مجاله و تخصّصه عكس الخلط بين القطاعات و المهامّ..
و ما زلنا في كل مناسبة سياسية يطالعنا بعض العسكريين على نمط جديد من التدخل في عالم السياسة و جعلها تنتقل من عالم المرونة السياسية و اللّيونة إلى عالم العَسكرَة و الاحتقان و ممارسة القوّة…
إن وظيفة العسكري هي وظيفة من أنبل الوظائف و لكن في مجالها و تخصّصها و حدودها فحين تتجاوزه تداس بأخمص القدم و يُنظرُ إليها شزرا و تسقط هيبتها التي يجب أن تظل مصونة خدمة للجميع..
فمجال انشغال القادة العسكريّين يجب أن يكون ضمان الجاهزية القتالية للجيش و الأمن وانتصارهما في المعارك و بسطهما الأمن و الأمان بين المواطنين.. الأمر الذي يمنع أفراد الجيش و الأمن من التدخل في الشؤون السياسية كونها تقع خارج نطاق تخصصهم العسكري كما أن الانشغال بزيادة احترافية أفراد الجيش و الأمن و تطوير معارفهم ومهاراتهم العسكرية، تقود بالضرورة إلى تقليص النفوذ السياسي للقادة العسكريين بسبب انشغالهم بمهامّهم المنوطة بهم و هذا ما جعل أحد المفكّرين يقول: “إن القائد الذي يقوم بأدوار سياسية هو قائد غير محترف بالضرورة و غير صالح لتلك المهمّة”
و ختاما أقول إنه لا يمكن تعميم هذه الممارسات على الكلّ أبدا و لا يفهم منه ذلك أيضا فلا شك أن لدينا من القادة العسكريين المهنيين من يلتزم بدوره الشريف و النبيل و يقف عند حدوده و مهامّه و هو أمر يجب تقديره و تثمينه لهم و نرجو للبقية الهداية و التوبة و التفرغ لمهامّها المنوطة بها و ترك مجال السياسة للسياسيين المدنيين….