شهدت الساحة السياسية طليلة السنوات الأولى والأخيرة، من فترة حكم فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز ، أحداثا خطيرة ، ووقائع جديدة مخيفة ، ودخيلة على شعبنا لما يعرفة من تآخ ، وتوحد ، وتكاتف وتلاحم ، بل إن تلك الاحداث والوقائع غير معهودة كلها بدءا بالإرهاصات الأولى لزعيم حركة إيرا ، وانتهاء بحادثة بطلي فلم بوليود الساموري ، ووزير الوظيفة العمومية ، الذي تم بث أولى حلقاته يوم أمس .
ومنذ فترة قد انتشر العديد من التسجيلات الصوتية على مواقع التواصل الاجتماعي لبعض العنصريين المتطرفين الذين يعملون جاهدين على إثارة الفتن والنعرات ، وبث خطاب الكراهية والتطرف ، والتحريض بين مكونات شعبنا المتآخي والمآتزر ، والمتصالح فيما بينه.
كماةطغت فيه التحزبات الشرائحية البحتة حتى ممن ينسب لنخبة الوطن، ومتسيسيه الكبار .
إن غالبية الشعب الموريتاني اليوم تدرك بجلاء أن وجود التراتبية والطبقية، والاقصاء والتهميش الذي خيم على المجتمعات في القرون الماضية ، وذهب ضحيته بعضها ؛ لم يكن من السهل نسيانه ، وتجاوزه ببساطة ، فقد تعرضت له بعض الشرائح بأشكال قاسية ، وأنماط مقززة !
ولكن علاجا لذلك الصداع ، ورجوعا للحق ، ونصرة للمظلوم ، وحفاظا على اللحمة الاجتماعية ، والوطنية ، وتأكيدا على السلم الاهلى والاجتماعي، وقف الكل مع من تعرضوا لذلك الظلم ، والتهميش ، والغبن فيما مضى ، بل إن الكثير من مختلف، وكافة أبناء هذا الشعب ، وممن يشار إليهم بالبنان ، تعاطفوا مع المظلومين والمهمشين ، ونادوا بوجوب إنصافهم ، وناضلوا من أجلهم ، وحاولوا قدر المستطاع ، وفي حدود المتاح لهم ؛ أن يفرضوا التحاقهم بركب المجتمع ، مما يضمن لهم السير مع عجلة التقدم والنمور والتطور والازدهار ، وأن ينالوا إنصافهم ويجدوا حقوقهم بعدالة ومساواة بغض النظر عن ألوانهم أو أعراقهم أو شرائهم .
وإنما جاء ذلك انطلاقا من الضمائر الإنسانية ، وتطبيقا لشريعتنا السمحاء التي اقصرت وجود الأفضلية والتعالى على التراتبية والطبقية في درجات التقوى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم ).
و( لافضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى ).
ومع ذلك فالكثير من الحقوقيين الذين لم يستغلوا تلك القضية سياسيا ولا تكسبا ناضلوا عن كافة الفئات المظلومة بدون مرعاة لون أو عرق أو شريحة أو طائفية.
وهو الأمر الذي ينبغي أن يكون دور الكل ، تمسكا بالمبادئ الدينية ،والأخلاقية ،والانسانية ، لمجتمعنا المسلم.
لذلك فإن كل مايُمارَس اليوم من ظلم وإقصاء وحرمان لكافة أفراد الشعب تتحمل الدولة مسئوليته الكاملة ؛ ولا علاقة للمواطن البسيط به ، ولا دخل له فيه ، ولم يكن له فيه ضلع، ولا مشاركة ؛ بل كل مايتعرض له اليوم أي مواطن من ظلم وغبن لاشك يسيء الشعب الموريتاني ، وضربة قاسية له ، فكل الويلات والأزمات التي نمر بها ترجع المسئولية فيها لتلك الثلة القليلة من المتنفذين سلطويا ، وهم يشكلون مزيجا من البظان ولكور ولحراطين.
إذ لوكان المواطن الموريتاني له من الأمر شيئا لما وصلت الدولة لهذه المرحلة الهزيلة ، والتخلف المدني ، والضعف الشديد أمام نظيراتها الحدودية رغم الفرق الشاسع بين ثرواتهما.
لكن انعدام الحكامة الراشدة ، وضعف التسيير ، وتشجيع النهب والفساد ، وانتشار الجهل والفقر والجوع ، والتخلف والبطالة يقضي على الأمن ، والاستقرار والسلم الاهلي ، ويثير الحساسيات ، وحالات الطوارئ أوتوماتيكيا؛ إلا أن الحكماء اجتماعيا ، والمحنكين سياسيا ؛ عليهم ألا ينجرفوا وراء تلك الدعوات المغرضة ، وألا ينجروا خلفها ؛ فتلبية ندائها ، والانصياع لها ، يخدم السلطة مبدئيا أكثر من المواطن الضعيف .
مع أن نه لن يكون في صالح الشعب، ولا السلطة ، ولا كيان الدولة مهما كان ، وأول ضحايا تلك الحروب – لا قدر الله – هم المحرضون أنفسهم ، وأصحاب السلطة والنفوذ ، وكل المواطنين الأكثر ضعفا وهشاشة هم أكباش فداء الحروب والفتن .
لتلك الأسباب لا داعية للمناصرة ، والوقوف والتعاطف مع بعض المتاجرين باسم الحقوق،والانسانية ، والقضايا العادلة .
فغالبية المتحدثين اليوم باسم المظلومين والشرائحيين ، وحاملين لواء نضالهم تحركهم أطماعا شخصية ، أو جهات خارجية تهدف لتخريب هذا البلد الإسلامي ، أو انسلاخ شعبه من حضارته الاسلامية وثقافته الدينية ، وهويته العربية.
فقضية لحراطين مثلا قضية عادلة ، والجميع يقف معها ، ويأسف لوقوعها ، ويتألم لمخلفاتها ،
رغم أنها تم بيعها في سوق النخاسة ، واستغلالها كوسيلة للتكسب والحصول على المال من طرف بعض الحركات الناشطة في المجال والتي تدعي أنها حقوقية ؛ كحركة إيرا التي تعتبر الآن مشعلا لتلك الحركات والمواثيق والمنظمات ؛ حيث أن أصحابها جنوا منها أموالا طائلة ، ومبالغ مالية ضخمة ؛ ولم يستفد منها أي حرطاني ماديا ولا معنويا سوى تلك الثلة القليلة التي استغلتها دوليا وسياسيا.
فلحراطين في آدوابه لم يستفيدوا من حركة إيرا ؛ ولا غيرها من الحركات؛ بل مازالوا يرزحون تحت وطأة الفقر والجهل والتخلف.
وأفراد تلك الحركات والمنظمات التي هي عبارة عن أسر ضيقة ، وعوائل محدودة ، يعيشون حياة رفاهية استقراطيةنادرة .
إن لحراطين في آداوابه بحاجة ماسة للتحسين من ظروفهم المعيشية ؛ كالغذاء والتعليم والصحة ؛ فمن يريد أن ينفعهم أو يفيدهم فعليه مساعدتهم بتوفير متطلبات أساسيات الحياة ، أو مطالبة السلطات والضغط عليها سلميا من أجل التحسين من ظروفهم المعيشية والتعليمية ؛ بعيدا عن بث الخطابات الفارغة، والتحريض والانقلاب على التعايش السلمي ، وتهديد الأمن؛ فلا خير يرجي للمواطن أيا كانت طبيعته من زعزعة الأمن والاستقرار ؛ بل يعتبر أكثر ضره من نفعه على الجميع.
وأغلب الذين يسوقون الخطاب العنصري، ويبثون الكراهية – من البظان ولكور ولحراطين – لم ينطلقوا من مبدأ إحقاق الحق ، وإنصاف المظلوم، بل أسسوا نضالهم من أجل مصالحهم الشخصية، ومآربهم الصيقة ، وملء جيوبهم الفارغة ، وبطونهم الجائعة.
وتلك فعلا مخلفات سنوات عجاف من الفساد والنهب والتهميش والإقصاء لكافة أبناء هذا الشعب .
ومع ذلك لا يمكننا تجاوز تلك الأزمات والمشاكل إلا بالشعور بوجود الأمن والاستقرار ، فلا يمكن إرساء قواعد حضارية ، أو بناء أسس تقدمية دون تعايش مشترك ، وتسامح خالص ، لأن الذين يختلفون اختلافا واهميا ، أو افتراقيا – ونعني بها الخلافات العدائية – معرضون دائما لارتكاب جريمة تهديد السلم والتكاتف الاجتماعي ؛
وليس معنى ذلك عدم قبول الرأي الآخر، أوالخلاف العلمي – الذي نعني به الخلاف في الفكر والطرح والرؤي – لأن ذلك لا يفسد للود قضية ، بل يعتبر سنة كونية ، وظاهرة صحية ، لا ضرر فيها ، ولا غضاضة في وجودها .
ولا يمكن حدوث ازدهار، ولا تطور، ولا تنمية ، ولا اقتصاد إلا مع وجود الأمن والاستقرار.
لذلك نوجه نداء التحية للجميع ، ونقول بعد متابعة الروايات المتضاربة حول حادثة الوزارة والساموري، يكون لزاما علينا شعبا ، وفاء لوطننا ، وغيرة عليه أن نقول بأن تلك الواقعة ، وما دار فيها من نقاش ، لا تمثل أي مجموعة ، ولا طائفة ، ولا شريحة من الشعب الموريتاني ؛ فلا الوزير يمثل شريحة البظان ؛ ولا الساموري يمثل لحراطين؛ فكلهما لا يمثل سوى نفسه ، ويعمل لأغراضه الخاصة ، وأطماعه الشخصية ؛ ولا علاقة للمواطنين بذلك ، ولن نقبل من أي أحد زعزعة الأمن والاستقرار ، ولا أي تصرف يهدد السلم الاهلى والاجتماعي بين مكونات الشعب الموريتاني تذرعا باستغلال المطالبة بحقوق المظلومين ، وضحكا على عقولهم ، وعواطفيهم الطيبة ، أو ركوبا لأمواج من هذا القبيل ؛ لم تكن مؤسسة على مبادئ واضحة ؛ أونوايا شفافة مهما كان لونه أو عرقه .
من هنا نقترح ، وندعو كافة مكونات الشعب لتأسيس حراك وطني بحت يسمى: ” حراس السلم الأهلى والاجتماعي “.
يهدف لتقوية اللحمة الاجتماعية، وتعزيز الوحدة الوطنية ، ونشر ثقافة التآزر ، وبث الروح الأخوية بين كافة مكونات شعبنا العزيز